بائع النبيّ | نصّان*

عدسة: باول ستروجير

 

أريدُ أنْ أخرجَ منَ العالمِ بخير

سلطان القيسي

 

أريدُ أنْ أخرجَ منَ العالمِ بخير،

أنْ أذهبَ إلى اللهِ بساقينِ قويّتين،

وبيدينِ حرّتينِ بما يكفي لخوضِ المرافعة،

أريدُ أنْ أموتَ على سريرٍ أبيضَ في غرفةٍ بيضاءَ في مستشفًى فسيحٍ وهادئ، وليسَ في تظاهرةٍ مفاجئةٍ أو بطلقةٍ في زفّةِ عرس، أو بقذيفة؛ لأنّني في حاجةٍ ماسّةٍ لتحضيرِ ردودٍ مقنعةٍ ترفعُ عنّي التّهمَ الّتي ألصقَها بي المدّعي العامّ لهذا الكونِ الآخذِ بالتّمدّدِ على حسابِ الآخرين.

أريدُ أنْ أخرجَ منْ هذا العالمِ بمزاجٍ نقيّ

صالحٍ لصوغِ قصّةِ حبٍّ معَ الحورِ العين، الكواعبِ الأتراب،

أريدُهُ حبًّا منْ طرفين، ولا أريدُها جاريةً.

أريدُ أنْ أخرجَ منْ هذا العالمِ بجسدٍ رشيقٍ

وعقلٍ متّقدٍ، وصحّةٍ جنسيّةٍ، وقلبٍ طريٍّ يخافُ السّكاكينَ

لأنّ اللهَ لا يؤوي في الجنّةِ أصنامًا ولا أشباحًا ولا وحوشًا.

أريدُ أنْ أخرجَ منَ الحربِ بأصابعي كلِّها

لأمرّرَها في عشبِ الفردوسِ الأعلى مستشعرًا الذّائقةَ العليا

في توضيبِ حديقةِ المؤمنين.

أريدُ أنْ أخرجَ منَ الحربِ سالمًا... وميّتًا... وطيّبًا!

 

***

 

قبلَ أنْ يقتلَكَ الصّبرُ، قبلَ أنْ يأخذَني التّنّين

 

أريدُ أنْ آتي إليْكَ الآنْ...

محمّلةً بالبخورِ والحرير،

مثل قوافلِ الأسلافِ الغاديةِ منْ شمالِ الصّينِ إلى بحرِنا

بحرِنا الّذي شربَهُ الوحش.

أريدُ أنْ آتي إليكَ الآنْ...

محمّلةً بهزائمي الّتي تقفُ على خطٍّ واحدٍ كمصلّينَ خاشعين

تنتظرُ أنْ أحني عنقي قليلًا لتقتلَني،

عنقي الّذي تحبُّهُ طويلًا وممتدًّا كأعناقِ آلهةِ الشّام.

أريدُ أنْ آتي إليْكَ الآنْ...

على كتفي كنانةٌ بيضاءُ، ليس فيها سهامٌ، بل وردٌ

أضعُهُ في أعينِ السّباعِ الّتي تتربصّني على الطّريق

فيلينُ قلبُها وتحرسُ خطوتي،

أريدُ أنْ أجيءَ الآنَ محمّلةً بالهالِ

والمارشميلّو

وشاماتي

وخشخشةِ الخلاخلِ والأساورِ العريضةِ الّتي تحبّ...

أريدُ أنْ آتيكَ الآنْ...

قبلَ أنْ يقتلَكَ الصّبرُ

قبلَ أنْ يأخذَني التّنّينُ

منْ وراءِ سيفِكَ العالي وحصانِكَ المُسْرَج.

 

* من ديوان 'بائع النّبيّ' الصّادر حديثًا عن موزاييك للتّرجمات والنّشر والتّوزيع، ويقع في 190 صفحةً موزّعةً على 9 فصول.

** شاعرٌ وصحافيٌّ فلسطينيٌّ يقيمُ في الأردنّ.